وفي سنة ثمان وستين وألف (?) جاءت خلع الباشوية لحمّودة باشا مقرونة بالأوامر السّلطانية، فصار سلطان إفريقية على الإطلاق، وكانت محاله إذا خرجت لجباية الأموال تجعل سفرها نزهة تخرج وتعود في مدة شهرين مغمودة السّيف، ويهيّأ لها الخراج بنفس وصولها.
وفي سنة ثلاث وسبعين (?) بعث إلى الباب العالي يطلب الإستعفاء (?) من المنصب، فعوفي فتخلّى عن التّدبير وقسّم البلاد بين أولاده الثّلاثة، فقدّم على المحال وخراجها ولده الأكبر مراد باي، وجعل بيد أخيه الذي يليه وهو محمّد الحفصي صنجق القيروان وسوسة والمنستير وصفاقس وجملة رعاياهم، وجعل بيد أصغرهم وهو حسن باي صنجق إفريقية، وكلّهم سمي في حياته وتلقّب بألقاب البايات (?)، ولم يخرج من الدّنيا حتى رآى ما سرّه في بنيه وبني بنيه.
وله - رحمه الله تعالى - مآثر جميلة منها تشييد منارة الجامع الأعظم ببناء ضخم، وجعل في أعلاها داربيز (?) يقي المؤذّنين من الحرّ في الصّيف والبرد (?) في الشّتاء، وجعل فيها بسيطة لضبط أوقات الصّلوات مقابلة للنّاظر إليها، وإسمه منقوش عليها وتاريخ البناء / بأبيات الأديب الشّريف السّوسي.
ومنها الحنايا لجلب الماء من مسافة بعيدة من آبار قصّة ضاهى بها الحنايا القديمة في ضخامة البناء، فأدخل الماء إلى البلد وفرّق في أزقّتها بحسب الإمكان.
ومنها إنشاء المارستان بحومة العزّافين مع توفية ما يحتاج من طبيب وأدوية وطعام وأكسية للمرضى إلى غير ذلك من أوقاف يصرف من ريعها ما يحتاج إليه بعد ذلك.
ومنها المسجد المجاور لسيدي أحمد بن عروس، وكان مكانه دورا أشتريت من أربابها، وأوقف عليه أوقافا تقوم به وبما يتوقف أمره عليه.