مياهها لطفت وتحلّلت وملأت مكانا أوسع ممّا كان فيه قبل فدافعت بعض أجزائها بعضا (?) إلى الجهات الخمس: المشرق والمغرب والشمال والجنوب والفوق، فيكون على سواحلها في وقت واحد رياح مختلفة. هذا ما ذكره (?) في سبب ارتفاع مياهها.
وأما مدّ بعض البحار في وقت طلوع القمر فزعموا أن في قعر تلك البحار صخورا صلدة وأحجارا صلبة فإذا أشرق (?) القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعّته إلى تلك الصّخور والأحجار التي في قرارها (?) ثم انعكست من هناك متراجعة فسخنت تلك المياه ولطفت فطلبت مكانا أوسع وتموّجت [إلى ساحلها] (?)، ودفع بعضها بعضا وفاضت على شطوطها (?) ورجعت المياه التي كانت تنصبّ إليها إلى خلف، فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعا إلى وسط سمائه، فإذا أخذ ينحطّ سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي ثم يبتدئ المدّ على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض فينتهي المدّ ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ المدّ راجعا إلى أن يرجع القمر إلى الأفق الشّرقي. هذا قولهم في مدّ البحار وجزرها (?).
قلت: المناسب لكلامه الأول أن يسند المدّ والجزر للشّمس لا للقمر وخصوصا لما أخذ في تعليل المدّ بقوله: سخنت تلك المياه ولطفت الخ. فإن السّخانة واللّطافة تناسب الشمس لا القمر. كيف وقد قال في خواص القمر: زعموا أن تأثيراته بواسطة الرّطوبة كما أن تأثيرات الشّمس بواسطة الحرارة. لكن قال بعده: من خواصّ القمر أنه إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المدّ مقبلا مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع، فإذا صار هنالك انتهى المدّ منتهاه. فإذا انحطّ القمر من وسط سمائه جزر الماء ولا يزال كذلك راجعا إلى أن يبلغ القمر مغربه فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه. فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المدّ مرّة ثانية إلا أنه أضعف