ولمّا قضى أمير المسلمين من هذه الوقعة ما قضى أمر أن تشنّ الغارات على بلاد الافرنج، وأمّر عليهم سير (?) بن أبي بكر، وطلب الرجوع في طريقه، فتقدم (?) له ابن عباد / فعرج به إلى بلاده وسأله أن ينزل عنده، فأجابه يوسف إلى ذلك. فلمّا انتهى إلى اشبيلية مدينة المعتمد، وكانت من أجمل المدن منظرا، ونظر إلى موضعها والى نهر عظيم [مستبحر] (?) تجرى فيه السفن بالبضائع جالبة من برّ المغرب وحاملة إليه، في غربيه رستاق عظيم مسيرة عشرين فرسخا يشتمل على آلاف من الضّياع كلّها تين وعنب وزيتون، وهذا الموضع هو المسمّى شرف اشبيلية وتمير بلاد المغرب كلّها من هذه الأصناف، وفي جانب المدينة قصور المعتمد وأبيه المعتضد في غاية الحسن والبهاء، وفيها أنواع ما يحتاج إليه من المطعوم والمشروب والملبوس والمفروش وغير ذلك، فأنزل المعتمد يوسف بن تاشفين [في أحدها] (?) ولم يزل أصحابه (?) ينبهونه على تأمّل تلك الحال وما هو عليه من النّعمة، ويغرونه (?) باتّخاذ مثلها لنفسه ويقولون [له]: إن فائدة الملك قطع العيش فيه بالتّنعّم واللّذة كما هو عليه المعتمد وأصحابه، وكان يوسف بن تاشفين مقتصدا في أموره غير متطاول ولا مبذّر، ولا متنوّق في صنوف (?) الملاذ بالأطعمة وغيرها، وكان قد ذهب صدر عمره في بلاده في شظف العيش، فأنكر على مغريه بذلك الاسراف، وقال: الذي يلوح من أمر هذا الرجل - يعني المعتمد - أنه مضيّع لما في يديه من الملك، لأن هذه الأموال التي تعينه في هذه الأحوال لا بدّ أن يكون لها أرباب لا يمكن أخذ هذا القدر منهم على وجه العدل / أبدا فأخذه بالظّلم وأخرجه من هذه النزهات وهذا من أفحش الاستهتار، ومن كانت همّته في هذا الحدّ (من الاسراف فيما لا يغرو إلاّ جوفه) (?) فمتى يستجدّ همة في حفظ بلاده وضبطها وحفظ رعيّته والتوفير على مصالحها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015