فلمّا تكاملت العساكر بالجزيرة قصدت الأذفونش وكان نازلا بمكان أفيح من الأرض يسمّى الزلاّقة بالقرب من بطليوس، بين المكانين أربع فراسخ، وقدم يوسف بين يدي حربه للأذفونش كتابا على مقتضى السّنّة يعرض عليه الدّخول في الاسلام أو الحرب أو الجزية، ومن فصول كتابه: وبلغنا يا أذفونش أنّك دعوت إلى الاجتماع بك، وتمنّيت أن يكون لك فلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} (?) فلمّا سمع الأذفونش ما كتب إليه جاش [بحر] غيظه وزاد طغيانه وأقسم أنه لا يبرح من موضعه حتى يلقاه.

ثم أن يوسف / ومن معه قصدوا الزلاّقة، فلمّا وافاها المسلمون نزلوا تجاه الافرنج بها، فاختار المعتمد بن عباد أن يكون هو المصادم لهم أوّلا، وأن يكون يوسف بن تاشفين اذا انهزم المعتمد بعسكره بين أيديهم وتبعوه، يميل عليهم بعساكره، وتتألّف معه عساكر الأندلس، فلمّا عزموا على ذلك وفعلوه خذل الله الافرنج وخالطتهم عساكر المسلمين واستمرّ القتل فيهم، فلم يفلت منهم غير الأذفونش في دون الثلاثين من أصحابه، فلحق ببلده على أسوء حال، فغنم المسلمون من خيله وأسلحته وأثاثه ما ملأ أيديهم خيرا.

وكانت هذه الوقعة يوم الجمعة الخامس عشر من رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة (?)، وقيل في شهر رمضان في العشر الأواخر (?) منه من تلك السّنة، ونقل ابن خلكان (?) عن البيّاسي أنه قال: كان حلول العساكر الاسلاميّة بالجزيرة الخضراء في المحرم سنة تسع وسبعين وأربعمائة (?) فحكى أن موضع المعترك على اتّساعه ما كان فيه موضع قدم الا على جسد أو دم، وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام حتى جمعت الغنائم، فلمّا حصلت عفّ يوسف بن تاشفين عنها وآثر بها ملوك الاندلس، وعرّفهم أنه ما كان مقصده الاّ الغزو، لا النّهب، فلمّا رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف بن تاشفين لهم بالغنائم استكرموه وأحبّوه وشكروا له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015