ومعهم آلات الحصار وما يحتاجون إليه من العدد، ولمّا سمع افرنج الشّام ذلك اشتدّ أمرهم، فأخذوا حصن عكا من المسلمين وأسروا صاحبها، وهو مملوك لنور الدين يقال له خطلخ العلم دار، وذلك في شهر ربيع الآخر من سنة خمس وستين (?) ولمّا رأى نور الدّين ظهور الافرنج ونزولهم على دمياط قصد شغل قلوبهم، فنزل على الكرك محاصرا لها في شعبان من السّنة المذكورة، فقصده افرنج السّاحل فرحل عنها وقصدهم، فلم يقفوا له

ولمّا بلغ صلاح الدّين قصد الافرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرّجال وجمع الآلات إليها، ووعدهم بالإمداد بالرجال ان نزلوا عليها، وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكّما لا يرد أمره في شيء، ثم نزل الافرنج عليها، واشتدّ زحفهم وقتالهم عليها، وهو - رحمه الله - يشنّ الغارات من خارج، والعساكر تقاتلهم من داخل، ونصر الله المسلمين به وبحسن تدبيره، / فرحلوا عنها خائبين خائفين (?)، فأحرقت مجانيقهم، ونهبت آلاتهم، وقتل من رجالهم خلق كثير، واستقرّت قواعد صلاح الدّين، وأرسل يطلب والده نجم الدّين أيّوب ليتمّ له السرور وتكون قصته مشاكلة لقصة يوسف - عليه السلام - فوصل إليه والده في جمادى الآخرة من سنة خمس وستين (?)، وسلك معه من الأدب ما جرت به عادته، وألبسه الأمر كلّه، فأبى أن يلبسه، وقال: «يا ولدي ما اختارك الله تعالى لهذا الأمر الا وأنت كفء له، ولا ينبغي أن يغير موضع السعادة» فحكّمه في الخزائن كلها (?).

وثبت قدم صلاح الدّين ورسخ ملكه، وهو نائب عن نور الدّين، والخطبة لنور الدّين في البلاد كلّها، لا يتصرّفون الا عن أمره، وكان نور الدّين يكاتب صلاح الدّين ولا يفرده (?)، بل يكتب للأمير صلاح الدّين وكافة الأمراء بالدّيار المصرية يفعلون كذا وكذا، واستمال صلاح الدّين قلوب النّاس، وبذل الأموال ممّا كان قد جمعه عمّه أسد الدّين، فمال النّاس إليه وأحبوه، وقويت نفسه على القيام بهذا الأمر والثّبات فيه، وضعف أمر العاضد العبيدي صاحب مصر ذلك الوقت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015