من أولى الأقطار، وأما غايته فإليها الإشارة بقوله - علت كلمته - {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} الآية (?) {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ} (?) إلى غير ذلك حسبما أشرنا إليه في الخطبة. وأما واضعه فقال الجلال السّيوطي - رحمه الله تعالى -: والمحفوظ أن الأمر بالتاريخ من عمر - رضي الله تعالى عنه - أخرج البخاري في «الأدب المفرد» والحاكم عن مكحول بن مهران: رفع إلى عمر ورقة فيها شعبان، فقال:
شعبان الذي نحن فيه أو الآتي أو الذي مضى؟ فقال عمر لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم: ضعوا للناس شيئا يعرفونه من التّاريخ. فكان عمر - رضي الله تعالى عنه - أوّل من حض على ذلك، فقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الرّوم، فقال: إن الرّوم يطول تأريخهم يكتبون من ذي القرنين، فقال: اكتبوا على تأريخ فارس. ولم يزل يدور الحديث (?) بينهم إلى أن أجمع رأيهم على الهجرة، فإن الهجرة كانت [من] (?) عشر سنين، فكتبوا التاريخ من هجرة النبيء صلّى الله عليه وسلم فكان عمر - رضي الله تعالى عنه - أول من وضع للنّاس (?) التاريخ الإسلامي المقيّد بكونه من هجرة النبيء صلّى الله عليه وسلم (?) وقال في «سمط اللآل» (?): لم يكن في صدر الإسلام تأريخ إلى أن ولي عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وافتتح (?) بلاد العجم ودوّن الدواوين، وجبى الخراج، وأعطى الأعطية، فقيل له ألا تؤرّخ؟ فقال: وما التأريخ؟ فقيل له: شيء كانت الأعاجم تفعله يكتبون في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: هذا حسن، فأرخوا (?). وقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: قد ذكر الله تعالى التأريخ في كتابه العزيز فقال: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ} (?). ومن استعمال التاريخ بمعنى التوقيت قوله تعالى {فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً} (?).