وأمر المهدي بحفر مرسى المهديّة وكان حجرا صلدا، فنقر نقرا وجعله حصنا لمراكبه الحربية (?)، وأقام على فم هذا المرسى سلسلة من حديد، يرفع أحد طرفيها عند دخول السفن ثم تعاد كما كانت تحصينا للمرسى من طروء (?) مراكب النّصارى (?)، وابتنى دار الصّناعة، وهي من عجائب الدّنيا، ثم شرع في حفر الأهراء بداخل المدينة، وبنى الجباب (113) والمصانع، واختزن الأهراء بالطّعام، وملأ الجباب (?) بالماء، ثم أمر بحفظها ولم (?) تفتح إلاّ في أيّام أبي يزيد، ولولا ذلك لما أطاقوا الحصار، وكان اتّساع المهديّة في أول بنائها من الشمال (?) إلى الجنوب (?) قدر غلوة سهم فاستصغرها المهدي عند ذلك فردم من البحر مقدارها وأدخله في المدينة فاتسعت، والجامع الأعظم والدّار المعروفة في القديم بدار المحاسبات من جملة ما ردم من البحر.
وأخذ عبيد الله / في بناء قصوره بها فبنى القصر الكبير المعروف الذي كلّله بطيقان الذّهب، وبنى ابنه أبو القاسم بازائه قصره المعروف به [أيضا] وبينهما فسحة، وبشرقي قصر عبيد الله حيث كان هي دار الصّناعة [الآن].
ولمّا كمل سور البلد (?) وقصورها أراد عبيد الله الانتقال إليها فثقل ذلك على أوليائه وجنده، وصعب عليهم استبدالهم بالموضع الذي استوطنوه، فقال لهم: ان صعب عليكم ذلك فنحن ننتقل ونترككم هاهنا ونجري عليكم الأرزاق والصّلات، وعمّا قليل ستنتقلون إلينا مسارعين. قال المؤرخون: فلم يكن بعد ذلك إلاّ زمان يسير حتى أرسل الله السّماء بأمطار غزيرة أخربت مساكن رقّادة وأهدمت دورها وأهلكت خلقا عظيما من