الأندلس من البربر والعرب لما بينهم من المنافرة، وتباين الطباع فاتفقوا وعملوا طلسمات في أوقات اختاروها أرصادا، وأودعوا تلك الطلسمات تابوتا من الرّخام وتركوه في بيت بمدينة طليطلة، وركبوا على ذلك البيت بابا وأقفلوه وعهدوا إلى كل ملك منهم بعد صاحبه أن يلقي على ذلك الباب قفلا، تأكيدا لحفظ ذلك البيت فاستمر أمرهم على ذلك.
ولما كان وقت انقراض دولة اليونان ودخول العرب والبربر إلى جزيرة الأندلس، وذلك بعد مضي ستة وعشرين ملكا من ملوك اليونان من يوم عملهم / الطّلسمات بمدينة طليطلة وكان الملك لذريق المذكور السابع والعشرين من ملوكهم، فلما جلس في ملكه قال لوزرائه (?) وأهل الرّأي من دولته قد وقع في نفسي شيء من أمر هذا البيت الذي عليه ستة وعشرون قفلا، وأريد أن أفتحه لأنظر ما فيه، فإنه لم يعمل عبثا فقالوا: أيّها الملك صدقت، فإنه لم يعمل عبثا ولا أقفل سدى، فالمصلحة أن تلقي أنت أيضا عليه قفلا أسوة بمن تقدمك من الملوك، وكانوا آباءك وأجدادك ولم يهملوا هذا فلا تهمله وسر سيرهم، فقال: إنّ نفسي تنازعني إلى فتحه، ولا بد لي منه، فقالوا: إن كنت تظن فيه مالا فقدره ونحن نجمع ذلك من أموالنا فخذه، ولا تحدث علينا بفتحه حدثا لا نعرف عاقبته فأصرّ على ذلك - وكان رجلا مهيبا - فلم يقدروا على مراجعته، وأمر بفتح الأقفال وكان على كل قفل مفتاحه معلّق فيه، فلما فتح الباب لم ير في البيت شيئا سوى مائدة عظيمة من ذهب وفضة مكللة بالجواهر وعليها مكتوب: هذه مائدة سليمان بن داود - عليهما السّلام - ورأى في البيت ذلك التّابوت، وعليه قفل ومفتاحه معلّق، ففتحه، فلم يجد فيه سوى رق، وفي جوانب التابوت صور فرسان مصوّرة بأصباغ محكمة التصوير، على أشكال [العرب] (?) وعليهم الفراء، وهم معمّمون على ذوائب جعد، ومن تحتهم الخيل / العربية، وبأيديهم القسي العربية، وهم متقلّدون السّيوف المحلاّة، ومعتقلون بالرماح، فأمر بنشر ذلك الرّقّ، فإذا فيه: متى فتح هذا البيت وهذا التّابوت المقفلان بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التّابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان من أيديهم، ودرست حكمتهم، فهذا هو بيت الحكمة» (?).