يجعل لي قبولا عند الأمير ليقضي لي ما قصدته، ففتح الشّيخ يديه إلى السّماء على صورة الدّعاء إشارة إلى أنّ الله يقضي له مآربه، وقال: إن يسّر الله عليّ الأمر آتيتك بجبّة خضراء وكان جالسا على دكّة من ألواح وأخشاب، فقال: ونعطيك هذه الألواح والأخشاب يستعملونها لك تابوتا، وكان قد ابتنى له القائد أحمد أبو ديدح قبّة بالرّبض قرب تربة شيخه فذهب إبن للّونة لتونس، وحصل له ما أراد، فلمّا رجع إلى صفاقس، أعطى للشّيخ ما وعده من الجبّة واللّوح والأخشاب فصنع من ذلك تابوتا وحملوه إلى التربة، فخرج الشّيخ معهم وكذلك سيدي سعيد حريز فجاءه وجذبه من أثوابه فلم يقم، فضربه بيده خمس ضربات وهو يضحك، فكانت مدّة احتجابه الحجبة الثّالثة خمسة أعوام بعدّة الضّربات، واتّصلت حجبته بوفاته.
وكان - رحمه الله - خفيف الرّوح على النّفس، خفيف المؤنة، حسن الصّورة، عليه نور زائد، كثير النّظافة، يمشي بلا نعل فلا يعلق به شيء من قذر الطّريق، / وإن علق به ما ندر بادر بغسله محافظة على نزاهة الظّاهر، كما هو محافظ على نزاهة الباطن ولمّا سار الشّيخ لزيارة الصّالحين من أهل السّاحل، واستمرّ لزيارة الصّالحين بتونس، خرج أبوه في صحبته ليتولّى خدمته والقيام بشأنه، وكان أبوه فقيرا عاجزا عن الكسب، فذهب به إلى الأمير سيدي علي باي - رحمه الله تعالى -، فلمّا قدم عليه أحبّه وأقبل عليه وقال: هذا رجل عليه سيماء (?) الصّالحين فأخذه وأجلسه في حجره تبرّكا به، ثمّ سأل والده عن مطلوبه فعرّفه بضنك عيشه وقلّة ذات يده، فقال له: سل (?) تعط، فقال: تجعل لي نصيبا من زكاة الحبوب نقتاته، ولتكن زكاة أبي عرادة فقال له:
أعطيتك ذلك، فدعا بخير، ومدّ الشّيخ يده للدّعاء ونزل إلى تونس فصار أهل الخير يعطون والده ما تيسّر تبرّكا منهم بالشّيخ، فرآى الشّيخ ذلك فأشار إلى والده أن لا تأخذ شيئا وإلاّ قصمت ظهرك، فردّ على النّاس ما أعطوه، ولمّا أراد السّفر من تونس ذهب والده ليأخذ الظّهير من السّلطان فقال لهم السّلطان: اكتبوا له فإنّ الشّيخ علق حبّه بقلبي وما غاب عن بصري منذ رأيته حتّى في النّوم، فكتبوا له ورجع مجبور الخاطر بعد ما كساه هو ووالده وخديمه جبّة خضراء.
وكان الشّيخ محبّا لتلاوة كتاب الله العزيز ومحبّا لأهل الله وخصوصا حملة القرآن،