وهذا يدل -غالبا- على أن كاتب هذا المنهج تلقى علم الحديث بهذه الصورة النظرية بعيداً عن التطبيق العملي، وحتى لا يكون كلامي دعوى عارية عن الدليل سأشرع في التدليل والتمثيل؛ فانظر حفظك الله إلى غالب مناهج علم المصطلح المعاصرة وتناولها لمصطلح التدليس مثلا، سترى خلطا بينا، وخطأ فادحا، وغبنا فاحشا لذلك الطالب المسكين، ففي هذه المناهج ترى أن المؤلف يشترط التصريح بالسماع لكل من وصف بتدليس الإسناد دونما تمييز، بل وترى أثر مثل هذا الخطأ في كثير من تحقيقات المعاصرين وتآليفهم، فمنهم مثلا من يضعف حديثا بسبب عنعنة أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي مع أنه في المرتبة الأولى ممن احتمل الأئمة عنعنتهم (?) ، ومنهم من يضعف حديث من وُصف بالتدليس عند المتقدمين، لكنه عند الحافظ ابن حجر وغيره مرسل إرسالا خفيا، وذلك لأن المؤلف المعاصر لم يدرك الفرق بين اصطلاح هؤلاء وهؤلاء، فالمتقدمون وصفوا كل من روى عمن سمع منه أو عاصره ما لم يسمعه منه موهما السماع بالتدليس (?) ، والحافظ ابن حجر جعل الأخيرة وهي الرواية عمن عاصره ولم يسمع منه موهما السماع إرسالا خفيا (?) ، وذلك تمييزا بين الأنواع كما قال في تعريف أهل التقديس، لذا من وصف بالتدليس بسبب المعاصرة وعدم اللقي تقبل عنعنته إن ثبت اللقاء ولو مرة واحدة في غير هذا الحديث، ولا يحتاج أن يصرح بالسماع في كل حديث، فليس كل من وصف بالتدليس بحاجة إلى تصريح بالسماع في كل حديث يعنعن فيه كما هو ظاهر من صنيع الأئمة رحمهم الله تعالى.