ولابد من حفظ مقدمة في النحو يقوم بها اللسان والفقه عمدة العلوم، وجمع العلوم ممدوح إلا أن أقواماً أذهبوا الأعمار في حفظ النحو واللغة، وأغابوا فيها غريب القرآن والحديث، وما يفضل عن ذلك ليس بمذموم، غير أن غيره أهم منه، فإن أقواماً أذهبوا أزمانهم في علوم القرآن فاشتغلوا بما غيره أصلح منه من الشواذ المهجورة، والعمر أنفس من تضييعه في هذا، وإن أقواماً أذهبوا أعمارهم في حفظ طرق الحديث ولعمري أن ذلك حسن إلا أن تقديم غير ذلك أهم، فنرى أكثر هؤلاء المذكورين لا يعرفون الفقه الذي هو ألزم من ذلك، ومتى أمعن طالب الحديث في السماع والكتابة ذهب زمان الحفظ، وإذا علت السن لم يقدر على الحفظ المهم، وإذا أردت أن تعرف شرف الفقه فانظر إلى مرتبة الأصمعي في اللغة، وسيبويه في النحو، وابن معين في معرفة الرجال، كم بين ذلك ومرتبة أحمد والشافعي في الفقه، ثم لو حضر شيخ مسن له إسناد لا يعرف شيئاً من الفقه بين يديه شاب متفقه فجاءت مسألة: سكت الشيخ وتكلم الشاب) (?) .
ومن ذلك كله نقول إن تجزئة علوم الحديث عن بعضها، كالاهتمام بالجرح والتعديل دون الغريب، أو الاهتمام بتعريفات أنواع الحديث، دون الاجتهاد في تطبيق ذلك والتدريب عليه من متون الحديث، كما إن تجزئة علوم الحديث عن باقي علوم الشرع فقهاً وتفسيراً وأصولاً وغيرها. تساهم في تكريس الضعف عند طلبة هذا العلم الشريف.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ...