ثم إن العلم بالرجال وطبقاتهم ميزان علو كعب الرجل في مدارج علوم الحديث وبه ينال التوقير والتبجيل. لما دخل الإمام الذهبي على الإمام ابن دقيق العيد قال له: (من أين جئت؟ قال: من الشام، قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي، قال: من أبو طاهر الذهبي؟ قال له: المخلِّص، فقال: أحسنت، فقال: من أبو محمد الهلالي؟ قال سفيان بن عينيه، قال: أحسنت، أقرأ ومكنه من القراءة حينئذٍ إذ رآه عارفاً بالأسماء) (?) .
أقول أليس من الغريب أن نجد عندنا اليوم من طلبة الحديث من لا يستطيع التمييز بين الحمادين والسفيانين، ولا يدري كيف تكون المتابعة، وغير ذلك من أوليات دراسة الإسناد؟ بل وجدنا في رسائل الدراسات العليا (الماجستير أو الدكتوراه) من العجائب ما لا يصدق:
* فمثلاً في مسند الإمام أحمد وجدنا من لا يميز بين أحاديث المسند وزوائد عبد الله على أبيه.
* وأكبر من ذلك هناك من يسوق الإسناد، حدثنا عبد الله حدثني أبي ... ثم يذهب يترجم لعبد الله ولأبيه ثم يذكر أقوال علماء الجرح والتعديل.
* واعجب من ذلك من يسوق أسانيد كتاب الزهد للإمام عبد الله بن المبارك، ثم يضعف الإسناد بأحد الرواة بعد عصر ابن المبارك بسنوات، وإسناد ابن المبارك كالشمس. إلى ذلك من الطامات التي لا تحصى. كيف كان ذلك؟ ولم هذا القصور الكبير ... ؟
يرجع ذلك بحسب رأينا - والله أعلم - إلى جملة أسباب لعل من أهمها الآتي: