ومن هذا الباب أيضاً حديث أخرجه النسائي في الكبرى من طريق أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن بردة بن نيار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشربوا في الظروف ولا تسكروا. قال أبو عبد الرحمن (النسائي) وهذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم، ثم نقل عن أحمد قال: كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث، خالفه شريك في إسناده ولفظه (?) . وسلام بن سليم أبو الأحوص الكوفي ثقة متقن صاحب حديث كما في التقريب (?) ، فانظر كيف حكم النسائي على مخالفة أبي الأحوص بالنكارة مع أن اصطلاح المتأخرين أنه شاذ، والمقصود: أن بعض المتقدمين يطلقون النكارة على الشذوذ كما جرى عليه ابن الصلاح رحمه الله، والأمثلة في هذا الباب كثيرة لمن تأمل.
2 ـ التفرد والشذوذ والنكارة ((هل كل ما تفرد به راوٍ يعد شاذا أو منكراً؟ ولو لم يخالف)) :
هذا المبحث مهم لا يستغني عنه الباحثون والمتخصصون وهو مبحث دقيق اضطرب فيه كثيرون، وحقيق أن يخص مستقلاً ببحوث ومؤلفات وله علاقة بالعلة ولكني ذكرته هنا لأن علاقته بالشاذ أقوى، فالخليلي رحمه الله جعل مطلق التفرد شذوذاً والحاكم جعل تفرد الثقة شذوذاَ وقد تعقبوا عليهما كما أشرت سابقاً.
لكن المتأمل لكلام المتقدمين يجد أنهم أطلقوا الشذوذ والنكارة على بعض ما انفرد به الثقات بدون مخالفة ولذلك قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث (?) .
أقول: واستعمالهم للنكارة في هذا الباب أكثر، وهذا والله أعلم لأن لفظ ((الإنكار)) عام في كل ما استنكر وأنكره عليه غيره ولو كان المنكر عليه ثقة.