لم أجد من أهل العلم من نص على فارق زمني بين المتقدمين والمتأخرين إلا أنه اشتهر بين طلاب العلم أن المتقدمين من كان قبل الثلاثمائة للهجرة، وهذا القول للحافظ الذهبي رحمه الله تعالى (?) ، وكأن هذا القول اعتمد على أن ذلك عصر القرون المفضلة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) (?) .
أو لأن آخر الأئمة الستة أصحاب الكتب المشهورة في السنة كانت وفاته قريباً من الثلاثمائة وهو الإمام أحمد بن شعيب النسائي حيث توفي سنة 303هـ.
وهذا الرأي وجيه وله حظ من القوة، ففي تلك القرون عاش الجهابذة الذين كان لهم قصب السبق في حفظ السنة والذب عنها وبيان صحيحها من معلولها، وكان لهم المؤلفات الضخمة في الحديث والرجال والعلل وغيرها إلا أنه وجد بعد الثلاثمائة من الأئمة من سار على منهج المتقدمين وحذا على قواعدهم وطرائقهم فهو ملحق بهم كالإمام الدارقطني والخطيب البغدادي وابن رجب وغيرهم.
وقد عدّ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ابن حبان من المتقدمين فقال في كتابه (تعريف أهل التقديس) في كلامه عن مكحول قال: ((مكحول الشامي الفقيه المشهور تابعي يقال إنه لم يسمع من الصحابة إلا عن نفر قليل ووصفه بذلك ابن حبان، وأطلق الذهبي أنه كان يدلس ولم أره للمتقدمين إلا في قول ابن حبان)) (?) ا. هـ…
وفي نزهة النظر لما تكلم عن زيادة الثقة قال: والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين ... وذكر منهم الدارقطني ... «وسيأتي قوله في مبحث زيادة الثقة.