لقد كنت أثناء تدريسي لهذه المادة للطلاب ألجأ من أجل توضيح الأسانيد وارتباطها واتصالها أو انقطاعها، أو في توضيح شروط أنواع الحديث وغير ذلك، كنت ألجأ إلى تطبيق ذلك للطلاب أثناء التدريس، فأقول مثلا: هذا الصف من القسم يمثّل سندا من الأسانيد وأحدّد أسماءهم، ثمّ أقوم بتوضيح كيف يمكن أن يكون هذا الصف متصلا أو منقطعا، وما هي أشكال الانقطاع وأنواعه التي يمكن أن تحدث، وماذا يحصل لهذا الصف عندما يكون أحدُ أفراده مجهولَ الاسم أو ضعيفاً بنوع من أنواع الضعف، أو لم يسمع ممّن فوقه، وهكذا أستمرّ في التطبيق العملي لمباحث هذا العلم، وقد رأيت أنّ هناك فائدتين تحققتا من وراء ذلك:
أـ أنّ الطلاب كانوا يفهمون وبشكل جيّد ما نذكره بعد ذلك من قواعد علوم الحديث ومباحثها.
ب ـ أنّ هذا كان سبباً في طرد الملل والسآمة التي تحصل غالباً في مثل هذه العلوم المجرّدة والمعارف الدقيقة، فيحصل نوع من الحيوية داخلَ الفصل يكون عاملاً آخر في حسن الاستماع وجودة الاستيعاب وسلامة التلقّي.
7 ـ أمر آخر لا نرى أن نختم حديثنا قبل الإشارة إليه، وهو لا يقلّ أهمية عما سبق، وهو الاهتمام بتدريس فقه الحديث ومناهج العلماء في استنباط الأحكام الشرعية منه. ذلك أنّ كثيراً من طلاب العلم كان حظُّهم من دراسة هذا العلم معرفة الأسانيد، وقلّت بضاعتهم ـ أو انعدمت ـ في باب فقه الحديث ومنهج الاستدلال به عند المتقدّمين، فكان أن وقعوا في الانحراف في هذا الباب، حيث يعمد أحدهم إلى تخطئة ما ذهب إليه أحد المتقدّمين من ردّ حديث صحيح أو الاستدلال بحديث ضعيف في جملة قرائن وأحوال ظهرت له، ومرجّحات وقواعد من الشريعة أيّدت فعله وتصرّفه، وهذا في الحقيقة هو الفقه، وأمّا غيره فليس يعجز عنه الكثير.