كما تشكل هذه الكتب والمصطلحات مرآة ناصعة تعكس جهود أصحابها في مجال العلم والثقافة والإبداع، ومدى تخصصهم في الموضوع الذي تناولوه، وطبيعة تكوينهم وتفكيرهم واهتمامهم وما يتصل بمحيطهم العلمي عموما. لذلك يكون ما تركوه للأجيال من الانتاج العلمي مصدرا رئيسا لتدوين تاريخهم في جميع مجالات العلم والإبداع.
وبقدر إدراك الباحث أو الدارس لهذه الحقيقة، تتحقق الفائدة العلمية المرجوة من دراسة تلك الكتب والمصطلحات، وإلا سيكون تحصيله العلمي عقيما لا يساعده على الاستنتاج والنهوض بما يقتضيه محيطه العلمي من الإصلاح والإبداع والتجديد في العلوم وطرق تدريسها.
التفاوت المعرفي بين الأئمة وبعض نماذجه:
أذكر هنا على سبيل المثال لمزيد من التوضيح مجالين واسعين يبرز فيهما تفاوت معرفي ومنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في خدمة الحديث وعلومه، وآثار هذا التفاوت في كتب المصطلح عموما، وهما:
1 - طريقة نقل الحديث.
2 - الحكم على الحديث.
أما المجال الأول فإذا كان المتقدمون يعتمدون الأسانيد والرواية المباشرة في نقل الأحاديث حديثا حديثا، فإن المتأخرين اعتمدوا الكتب والدواوين، بعد أن أخذت الأحاديث تستقر في بطونها، وأصبح الإسناد الذي تداوله المتقدمون في عصور الرواية غير مألوف في عمل المتأخرين، بل اكتفوا من الإسناد بقدر ما يكفل لهم حفظ تلك الكتب وحمايتها من وقوع تحريف وتصحيف وانتحال، حتى إذا استخدم أحدهم إسنادا في رواية حديث بخلاف العرف العلمي السائد في عصره، وحتى في أواخر عصر الرواية، فإن هذه الرواية لم تعد مما يعول عليه، وإنما يكون إسناد المتقدمين المثبت في كتبهم هو المعتمد في ذلك أولا وأخيرا، وهذا ليس عيبا في عمل المتأخرين ولا طعنا فيهم ولا تقليلا من شأنهم، بل ذلك الذي نهضوا به في سبيل حماية السنة هو الواجب عليهم.