نحن في الغالب الأعم نرقب ونرصد أثر السابق في اللاحق، ونتنبه إلى فضل الأسلاف على من خلفهم، وهذا مهم ومطلوب، ولكنه جانب من الصورة المرادة، والصورة الشاملة الكاملة أن يضم إلى هذا ما أضافه الخلف في كل جيل إلى ما قدمه السلف من جهود. وهو كثير يقتضي الوقفة والتأمل والرصد والمتابعة، وعلى أساس هذه النظرة يكون التطوير والإبداع، ويذهب الهدر والإغفال في هذا البناء العلمي المتواصل. فالأصل ألا ينكرللسلف فضلهم، ولا للخلف جهدهم، وهذا هو الإنصاف المطلوب.
وهذه النظرة تحتاج منا إلى بذل الجهود الواسعة في الإحاطة بما كتبه السلف على توالي العصور، مع إحاطة أخرى بما دونه علماء السنة في هذين القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وهو جهد عظيم حري بالجمع والتتبع كما أنه حري بالنظر والتأمل، وبالاستفادة والتوظيف في تطوير هذه المسيرة العلمية المباركة لعلوم الحديث الشريف.
وقد قامت في نهاية القرن الرابع عشر الهجري المنصرم ومطالع هذا القرن نهضة علمية واسعة في خدمة علوم السنة النبوية من طبع للكثير من مؤلفاتها، وتحقيق وتوثيق جملة من أهم مصادرها ومراجعها، كما زامنت هذه الحركة جهود علمية لنقد المرويات وفحصها لتمييز الصحيح من الضعيف والمقبول من المردود.
ولا شك أن المتصدين لرصد هذه الحركة العلمية السابقة والمعاصرة في خدمة السنة النبوية من المحدثين النقاد ينبغي أن يضعوا في اعتبارهم ضرورة استصحاب مناهج هؤلاء المنظرين من السلف والخلف من علماء الحديث لئلا يقعوا في الخلط بين مناهجهم المختلفة والتي أدت أحيانا إلى هذا التفاوت الواقع في الصور والنتائج.