من المعلوم أن السبر أساس التصحيح، والتضعيف، وفرع عنهما في آن، ولايصح القول أنه قصر على المتقدمين، فذلك رأي قد أفل، إذ بقيت الصناعة الحديثية قائمة في كل عصر تقريبا تضمر أحيانا، وتقوى أحيانا أخرى. ولو تأملنا قليلا لوجدنا أن القرن الثامن، والتاسع الهجريين أنجبا كوكبة من المحدثين النبهاء الذين صححوا وحسنوا، وضعفوا وزيفوا العشرات من الأحاديث. ومن من المتأخرين في عصرنا لايرجع بقلة، أو كثرة إلى أقوال الإمام النووي، أو الذهبي، أو العراقي، أو ابن حجر؟؟؟
أضف إلى ذلك أن الكثير من العلماء في هذا العصر، وطلبة العلم وردوا هذا المضمار، وتسابقوا فيه، فهو قائم أصلا وإن كانت تنقصه أحيانا الدربة الكافية، والأخلاق العالية. والخلاصة أن هذا ممكن من الناحية النظرية على الأقل، وليس القول به بدعا، ولا حدثا.
2- الحاجة إلى العناية بهذا الأمر:
هناك حاجة ماسة للعناية بعلوم الحدبث إجمالا كتعليم الطلاب القراءة الحديثية، وحفظ عدد مناسب من الأحاديث العقدية، والفقهية، والآداب، وغيرها للتعبد أولا، ثم للاستدلال، والاحتجاج ثانيا. كما أن الحاجة قائمة سواء بسواء إلى تدريب الطلاب على القيام بسبر الأحاديث، وتعلم الصناعة الحديثية للأسباب التالية:
* وجود عدد لابأس به من الأحاديث التي مازالت بين الأخذ، والرد بين المحدثين أنفسهم، وكذا بين المحدثين، والفقهاء، وغيرهم.
* محاولة تضييق شقة الخلاف بين المذاهب الفقهية في الاستدلال، والاحتجاج.
* تجدد حاجة الأمة في كل عصر بحسبه، وفي هذاالعصر ظهرت قضايا، ومشكلات جديدة فيحتاج إلى سد هذه الثغرة من جهة الحديث النبوي.
* حسم الفوضى القائمة في الساحة الإسلامية بتعلم القواعد، والضوابط الخاصة بهذا العلم.
* تخريج أجيال لها دراية علمية بعلم الحديث، لتسهم في النهوض بهذا الفن.
3- الوسائل المطلوبة للقيام بنهضة علمية في الحديث النبوي:
يمكن تقسيمها إلى مستويين أساسيين هما: مستوى أدنى، وأعلى.