استدعى صنيع المحدثين لمعرفة الراوي المحتج به، ثم المعتبر به، ثم الساقط وضع ميزان دقيق ينخل فيه الرواة نخلا، وينقر عنهم تنقيرا للوصول إلى القول الفصل فيهم. وكان هذا الميزان هو المعارضة لحديث الراوي. قال ابن الصلاح:» يعرف كون الراوي ضابطا بأن تعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب، والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا. وإن وجدناه كثير المخالفة لهم، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه، والله أعلم « (?) .
وهذا المنهج الدقيق الذي كشف عنه ابن الصلاح هو الأكثر ممارسة في صنيع النقاد من الأولين، والآخرين، وهو الوسيلة المثلى لمعرفة ضبط الراوي لحديثه، وهي الأكثر شهرة، وانتشارا. وقد تتبعت جملة من التراجم في كامل ابن عدي، وفحصت مسلكه في باب المعارضة فظهر لي أن تطبيق المؤلف لهذه القاعدة له صور متعددة تتلخص في جملتها في الكشف عن العلة، ومخالفة الثقات. قال الذهبي:» ثم اعلم أن أكثر المتكلم فيهم ما ضعفهم الحفاظ إلا لمخالفتهم الأثبات « (?) .
والحق أن التعليل بالعلل الظاهرة تناثر في كتاب الكامل، وتكاثر بحيث يسهل على المطلع الاهتداء إليه خصوصا ما صاحبه تعليق من المؤلف. ونظرا لطولها فقد قسمت الكلام عن تعليله إلى قسمين: واحد متعلق بالسند، وآخر بالمتن.
وفيما يلي ذكر نماذج من سبره، وكشفه عن العلة في السند، ثم المتن:
أـ القسم المتعلق بالسند: وهو أنواع منوعة، وقفت على ما يلي: