البغضاء وهى شدة بغضهم لكم لأنكم مسلمون وهم كافرون. وقال بأفواههم ولم يقل بألسنتهم إشارة إلى أنهم إذا تكلموا لكم ناصحين ومعلمين يتشدقون بالكلام، فتمتلئ أفواههم به إظهارا للرغبة في نفعكم وخيركم، والمتأمل الواعي البصير يعرف هذا من كلامهم، وما تخفى صدورهم من التغيظ عليكم والبغض لكم أكبر مما يظهر من كلامهم ولنتأمل قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} فلننظر، فتتجلى لنا نعمة الرحمن الرحيم بعباده المؤمنين، إنها منته تعالى علينا، حيث منعنا من اتخاذ البطانة من غيرنا صرف للشر والأذى عنا، وإبقاء على نورنا وهدايتنا وكرامتنا. إنه يعقب على نعمة البيان والهداية بقوله: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ} الكاشفة لنا عن مخبئات أعدائنا لنا من الحسد والكره والغيظ والبغض. إن كنا نعقل عنه سبحانه وتعالى ما ينزله علينا ويخاطبنا به إكراما منه لنا فلله الحمد والمنة. ألا فليعلم هذا كل مسئول في دولة الإسلام وليعمل به ولا يعرض عنه ولا يتنكر له. فإن المناعة التامة للحفاظ على دولة الإسلام وقوتها وامتداد ظلها في العالمين.
ولنورد أخيرا ما يثبت به ما بيناه من هداية هذه الآية الكريمة الحاملة للنصيحة والتوجيه الرباني لأمة الإسلام، فهذا البخاري يروى في صحيحه تعليقا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كان له بطانتان: بطانه تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانه تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله "، من هنا وجب على كل من ولى أمر المسلمين أن يعرف هذا ويحذر من بطانة السوء فلا يقبل اقتراحاتها ولا توجيهاتها، ويقبل مل تقدمه البطانة الصالحة ويشكرها عليه ويقربها منه ويدنيها إليه. وهذا عمر رضى الله عنه قال له أحد رجاله: إن هاهنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب ولا أخط بالقلم منه أفلا يكتب عنك؟ فقال: لا آخذ بطانة من دون المؤمنين. وجاء أيضا أبو موسى الأشعرى بحساب نصراني لعمر رضى الله عنه فانتهزه وقال: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله ولا تأمنهم وقد خونهم الله.
قل لي أيها المؤمن أبعد هذا يجوز اتخاذ بطائن من أهل غير الإسلام، يطلعون على بواطن أمور الدولة والأمة؟ والجواب لا، لا وليس معنى هذا أن لا نستخدم غير المؤمنين إذا دعت الحاجة إلى إستخدامهم، وإنما لا نطلعهم على بواطن أمورنا ولا نضعهم في مقاعد التكريم والإكبار والإجلال ونترك أهل العلم والإيمان.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.