تأثيره في أبدانهم وأما هذا الأمر فإنه ذو تأثير أعظم في الأرواح والأبدان معا، إنه جهاد أعدائه تعالى وأعدائهم، وهم الكافرون والمشركون والمنافقون، وهذا يتطلب بذل الأموال والأرواح كما هو جهاد الشيطان الذي لا يبرح يزين الشر، ويقبح الخير، يدعو إلى الخبث ويصرف عن الطهر حتى يهبط بالعبد إلى أسوأ الدركات في الخبث والشر والفساد، كما هو جهاد النفس المارة بالسوء، اللوامة عن فعله بعد أن نخضع العبد لفعله وهذا في مرحلة جهادها إلى أن تنهزم وتقهر فحينئذ تطيب وتطهر وتصبح المطمئنة التي لا ترتاح ولا تسعد إلا على ذكر الله تعالى وشكره بأنواع العبادات والقربات.
وقوله تعالى: {حَقَّ جِهَادِهِ} إنه بذل الطاقة البدنية والعقلية واستفراغ الجهد كاملا نفسا ومالا ودعوة في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى وحده، دل على هذا قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ} أي في سبيل إعلاء كلمته ونصرة أوليائه، على أنفسهم الأمارة بالسوء وعلى الشيطان المزين للباطل المقبح للحق، وعلى أعدائهم وهم الكفار والفجار الذين لا يريدون أن يعبد الله وحده، ولا أن يعز ويطهر أولياؤه. ولما كانت طاقة العبد محدودة ذكر أولياءه بأنه لا يكلفهم ما يوقعهم في الحرج الذي هو الضيق الذي لا يقدر العبد على اجتيازه ولا الخروج منه، ومن مظاهر رفع الحرج أنه تعالى1 فتح لهم باب التوبة من أذنب منهم ذنبا فليتركه نادما على فعله مستغفرا ربه فإنه يقبل ولا يرد. ومن رفع الحرج رخص للمريض والمسافر في الإفطار حال مرضهما أو سفرهما، ورخص للمريض أن يصلى قاعدا أو على جنب أو مستلقيا على حسب قدرته. ورخص للمريض والأعمى والأعرج في عدم الخروج إلى الجهاد في حال التعبئة العامة ورخص لمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله أن يترك الغسل والوضوء ويتيمم بالتراب ويصلى هذه جملة من رفع الحرج على أولياء الله المؤمنين.
وقوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} . حث منه تعالى لعباده المؤمنين على أن يلزموا ملة أبيهم إبراهيم عليه السلام، إذ هو أبو إسماعيل وإسماعيل هو أبو العرب المستعربة الذين منهم سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم حظهم وحثهم على لزوم عبادة الله تعالى وحده بنا شرع، وترك الشرك والبدع. بقوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} أي ألزموها ولا تخرجوا عنها فتتركوها وتستبدلوا بها غيرها فإنها هي مناط عزكم وشرفكم، ومدار سعادتكم في الدنيا والآخرة. وذكرهم سبحانه وتعالى بشرف آخر أضفاه عليهم وهو