"عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر والبر يهدى إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ". فإذا كتب صديقا أصبح من أمثال أبى بكر الصديق رضى الله عنه إذ لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالصديق، والقرآن أشار إليه في قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . فالذي جاء بالصدق هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به هو أبى بكر الصديق رضى الله عنه. وهناك سبيل أخر للكون مع الصديقين وهو طاعة الله ورسوله في الظاهر والباطن، في السر والعلن، في العسر واليسر؛ إذ قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} .
وإليك ما سبق هذا النداء الكريم لتعرف قيمة الصدق وحقيقته وتعمل على أن يكون وصفا لك بين الناس. إنه لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التعبئة لقتال الروم الذين عزموا على غزو المؤمنين في المدينة النبوية، جاء المنافقون يعتذرون بأعذار واهية وكاذبة وكذلك ضعاف الإيمان؛ لأن الغزوة كانت في عام قحط وجوع وحر شديد. وتخلف من تخلف بدون استئذان من القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم. ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من تبوك إذ العدو لما بلغه خروج الرسول صلى الله عليه وسلم لقتاله جبن وخاف وعدل عن الغزو الذي عزم عليه وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: " نصرت بالرعب مسيرة شهر ". فلما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون جاء بعض الناس يعتذرون عن تخلفهم فاعتذروا وقبل عذرهم، وتخلف ثلاثة وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع أن يعتذروا كما أعتذر غيرهم بأعذار واهية، فأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن هجرانهم ومقاطعتهم واستمرت مقاطعتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم وكافة أهل المدينة حتى أزواجهم وأولادهم وبعد مرور خمسين يوما، ولما صبروا صادقين أنزل الله توبتهم في قوله: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . فدلت الآيات على أن الله نجا الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم بصدقهم، فلذا دعا عباده المؤمنين إلى الصدق لما فيه الخير والبركة والفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.