وعلة هذا الأمر والاستجابة هي من أجل أن تكملوا في آدابكم وأخلاقكم وتسعدوا في حياتكم بالعز والطهر والصفاء والأمن والخير الكثير، وهذا معنى قوله تعالى: {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ، إذ لا يدعو الله ورسوله عباد الله المؤمنين المتقين إلا لما فيه خيرهم وسعادتهم وحياتهم الحياة الطيبة الطاهرة السعيدة في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} يحمل إشعارا خطيرا وتنبيها عظيما للمؤمنين وهو انه إذا سنحت الفرصة للمؤمن لفعل خير من الخيرات أو عمل صالح من الصالحات عليه أن يقتنصها بسرعة قبل فواتها، لاسيما إذا كانت دعوة من الله ورسوله إلى فعل كذا أو ترك كذا، وذلك لأن الله تعالى قادر على أن يحول بين المرء وما يشتهى، وبين المرء وقلبه، إذ هو قادر على أن يقلب القلب ويصرفه من حيث شاء من خير إلى غير، أو من غير إلى خير، ولنستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقرر هذه الحقيقة: " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ويقول داعيا أيضا: " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ".

أما قوله تعالى في ختام الآية: {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} يعلم تعالى عباده المؤمنين بحقيقة ينبغي أن لا ينسوها وهى أنهم سيحشرون إليه تعالى يوم القيامة وسيجزيهم بطاعتهم وعصيانهم؛ لذا ينبغي أن لا يترددوا في الاستجابة لله تعالى ورسوله إذا دعاهم لما يحييهم، وهل يدعوهم ربهم وهو وليهم إلى غير ما يحييهم؟ لا والله، وهل يدعوهم رسولهم إلى غير ما يحييهم ويكملهم ويسعدهم؟ لا والله.

أما قوله تعالى في الآية الثانية من هذا النداء السادس والأربعين: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . فهو تحذير خطير للمؤمنين وفى كل زمان ومكان من أن يتركوا طاعة الله ورسوله بعدم الاستجابة لندائهما ودعوتهما إلى فعل الواجبات وترك المحرمات، لما يترتب على ذلك من انتشار الشر والفساد بصورة يحق بها العذاب وكأن هذا الأمر والنهى المأمور بهما في هذا النداء هما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو كذلك؛ لأن الفتنة لا تعم المجتمع كله صالحة وفاسدة إلا إذا ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ويقرر هذا قول ابن عباس رضى الله عنه في هذه الآية: أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يقرروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. وفى صحيح مسلم ما يقرر هذه الحقيقة ويؤكدها فعن زينب أم المؤمنين رضى الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبيث ". وهذا أحمد يروى في مسنده رحمه الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015