{لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} وفعلا قد خافوا ربهم، وما صادوا لا بأيديهم ولا برماحهم فأصبحوا بذلك أهلا للقيام بمهام الأمور وعظائمها لأنهم عما قريب سيصبحون هداة البشرية وقادتها وقضاتها فسيسوسون بالعقل والرشد ويحكمون بالشرع، ويعاملون بالمعروف، ولم يكونوا كبنى إسرائيل ابتلاهم ربهم بتحريم الصيد أي صيد السمك يوم السبت فكان الصيد يأتيهم أي يظهر لهم شرعا ظاهرا بارزا إغراء لهم وفتنة يوم سبتهم ويوم لا يسبتون لا تأتيهم فاحتالوا على الصيد ووضعوا الشباك ليلة السبت أو يوم الجمعة فتمتلئ بالحيتان يوم السبت فيأخذونها ملأى يوم الأحد فيأكلونها فمسخهم الله عز وجل قردة وخنازير كما جاء ذلك في صورة الأعراف قي قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} .
أما المؤمنون الصادقون من تلك الزمرة المباركة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد امتحنوا ونجحوا وفازوا، وجاء أناس غلب عليهم الجهل فأحلوا محارم الله بالحيل كالربا بأنواع من الحيل، وقوله تعالى في ختام النداء: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي من اعتدى بعد هذا النهى عن قتل الصيد حال الإحرام فله عذاب أليم أي موجع، وقد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة، أو فيهما معا بحسب حال المعتدى في اعتدائه، وقد يعفو الرحمن ويغفر وهو العفو الرحيم.
هذا ولنعلم أن الصيد في الحرم محرم على المحرم وغيره وهو المحل، والحرم حرمان حرم مكة المكرمة، وحرم المدينة المنورة، أما حرم مكة فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم قد حرم مكة فهي حرام إلى يوم القيامة لا يختلى خلالها ولا ينفر صيدها ولا يصاد " وحدود الحرم المكي قد حددها إبراهيم عليه السلام مع جبريل عليه السلام. وأما حدود حرم المدينة فقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " المدينة حرام من عائر إلى ثور " فلا يصاد صيد، ولا يختلى خلاه كالحرم المكي سواء بسواء.
كما ينبغي أن نعلم أن خمسا من الحيوانات أذن في قتلهن في الحل والحرم، وللمحرم والمحل وهى التي جاءت في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحدأة " وما قيس عليها من كل ما يؤذى كالأسد والنمر والذئب والفهد إذ على هذا فقهاء الإسلام رحمهم الله تعالى.