ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى هذا الحديث، فقالوا: لا يجوز للمرأة هبة شيء من مالها ولا الصدقة به دون إذن زوجها.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: طائفة من أهل الحديث وجماعة من أهل الظاهر، فإنهم قالوا: لا يجوز للمرأة أن تهب بشيء من مالها ولا أن تتصدق به إلا بإذن زوجها، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فأجازوا أمرها كله في مالها، وجعلوها في مالها كزوجها في ماله واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (?) فأباح الله -عز وجل- ما طابت به نفس امرأته وبقوله -عز وجل-: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (?) فأجاز الله -عز وجل- عفوها عن مالها بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها وعلى أنها في مالها كالرجل في ماله.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور الفقهاء من التابعين ومَنْ بعدهم منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها كما يجوز للرجل، ولا تحتاج في ذلك إلى إذن الزوج.
قوله: "واحتجوا في ذلك" أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بقول الله -عز وجل- {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (1) وهو جمع صدقة، وهو مهر المرأة، والصُدُق بضمتين جمع صداق، والصداق -بفتح الصاد وكسرها- هو المهر.
قوله: "نحلة" وهي العطية الخالية عن العوض، وقال ابن العربي: اختلف في المراد بها هاهنا على ثلاثة أقوال: