قوله: "لك أو لأخيك أو للذئب" اللام في لك للتمليك كما في قوله: "أو للذئب" فإن الذئب لا يملك شيئًا، وكذلك الملتقط لا يملك اللقطة، وإنما المعنى لك أن تأخذها فتكون في يدك لتردها إلى صاحبها أو يجدها ربها فيأخذها، أو تخليها فيذهب الذئب فيأكلها.
قوله: "سقاؤها" بكسر السين؛ وهو الدلو، شبهها بمن كان معه حذاء وسقاء، وهو الدلو في سفره، والحذاء بالمد: النعل، أراد أنها تقوى على المشي وقطع الأرض وعلى قصد المياه وورودها، ورعي الأشجار والامتناع عن السباع المفترسة.
قوله: "ربها" أي صاحبها، والرب يطلق على غير الله بالتقيد.
ويستنبط منه أحكام:
الأول: فيه أن عفاص اللقطة ووكاءها إحدى علامات اللقطة وأدلها عليه.
وقال ابن حزم: تدفع اللقطة إلى من عرف العفاص والوكاء والعدد والوعاء، وبه قال مالك وأبو سليمان، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يدفعها إليه بذلك، فإن فعل ضمنها؛ لأنه قد يسمع غير صاحبها بصفتها فيعرفها صفتها.
قلت: مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- أن رب اللقطة إذا جاء وأقام البينة أنها ملكه؛ أخذها وإن لم يقم بينة ولكنه ذكر العلامة بأن وصف عفاصها ووكاءها ووزنها وعددها يحل للملتقط أن يدفعها إليه، وإن شاء أخذ منه كفيلا؛ لأن الدفع بالعلامة مما ورد به الشرع في الجملة، إلا أنه هناك يجبر على الدفع وهاهنا يجبر الدفع بمجرد الدعوى بالإجماع، فجاز ألا يجبر على الدفع بالعلامة ولكن يحل له الدفع، وله أن يأخذ كفيلا لجواز أن يجيء آخر فيدعيها ويقيم البينة.
وقال أبو عمر: قال مالك: يستحق من جاء بالعلامة أن يأخذها، ولا يحتاج إلى بينة، فإن جاء مستحق فاستحقها ببينة، لم يضمن الملتقط شيئًا.
قال مالك: وكذا اللصوص إذا وجد معهم أمتعة فجاء قوم وادعوها وليست لهم بينة يتلوم السلطان في ذلك، فإن لم يأت غيرهم، دفعها إليهم، وكذلك الآبق.