ص: فإن قال قائل: فقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا في توريث مَن ليس بعصبة ولا رحم، فذكر ما حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عوسجة مولى ابن عباس يحدث، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رجلًا مات على عهد رسول الله -عليه السلام- ولم يترك قرابةً إلا عبدًا هو أعتقه، فأعطاه النبي -عليه السلام- ميراثه".

قال: فهذا رسول الله -عليه السلام- قد ورث المولى الأسفل من المولى الأعلى، وأنتم لا تقولون بهذا.

قيل له: إنه ليس في هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- قال: المولى الأسفل يرث من المولى الأعلى، وإنما فيه أنه دفع ميراثه -وهو تركته- إليه، وليس مما روي عنه في الحال أنه وارث من لا وارث له، فقد يحتمل وجوهًا.

منها أن يكون دفعه إليه؛ لأنه ورَّثه إياه بما للميت عليه من الولاء.

ويحتمل أن يكون مولاه ذا رحم له فدفع إليه ماله بالرحم وورثه به لا بالولاء، ألا تراه يقول في الحديث: "ولم يترك قرابةً إلا عبدًا هو أعتقه" فأخبر أن العبد كان قرابةً له فورثه بالقرابة.

ويحتمل أن يكون دفع إليه ميراثه؛ لأن الميت كان أمر بذلك، فوضع رسول الله -عليه السلام- ماله حيث أمر بوضعه فيه، كما قد روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

فإنه حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن الشعبي، عن عمرو بن شرحبيل، قال: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إنه ليس حي من العرب أحرى أن يموت الرجل منهم ولا يعرف له وارث منكم معشر همدان، فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث أحب".

قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: حدثني همام بن الحارث، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله مثله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015