وشذَّ في ذلك عن جمهور الفقهاء، كما شذَّ أهل البدع في قطع كل سارق سَرَق قليلًا أو كثيرًا من حرز أو غيره.
وذكر ابن خواز منداد أن أحمد بن حنبل وأهل الظاهر وطائفة لا يعتبرون الحرز في السرقة.
قال أبو عمر (?): هذا غير صحيح عن أحمد بن حنبل، والصحيح عنه في هذا الباب ما ذكره الخرقي وإسحاق بن منصور قال: القطع فيما أوى الجرين والمراح، قال أحمد: المراح للغنم، والجرين للثمار، قال: وقال إسحاق بن راهويه كما قال.
ص: واحتجوا في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله -عليه السلام- في هذا الكتاب في غير هذا الباب، لما سئل عن الثمر المعلق فقال: "لا قطع فيه إلا ما آواه الجرين وبلغ ثمن المجن ففيه القطع، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثلية وجلدات نكال".
وقد حدثنا بذلك أيضًا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
ففرق رسول الله -عليه السلام- في الثمار المسروقة بين ما آواه الجرين منها وبين ما لم يأوه وكان في شجره، فجعل فيما آواه الجرين منها القطع، وفيما لم يأوه الجرين منها الغرم والنكال.
فتصحيح هذا الحديث وما روى رافع عن رسول الله -عليه السلام- من قوله: "لا قطع في ثمر ولا كثر" أن نجعل ما روى رافع هو على ما كان في الحوائط التي لم يحرز ما فيها على ما في حديث عبد الله بن عمرو ما زاد على ما في حديث رافع فهو خلاف ما في حديث رافع، ففي ذلك القطع، ولا قطع فيما سوى ذلك ليستوي هذان الأثران، ولا يتضادان، وهذا قول أبي يوسف -رحمه الله-.