فإن قلت: إنما أراد بذلك التأديب دون الحد، وقد روي عن ابن عباس أن الأمة إذا زنت قبل أن تحصن أنه لا حد عليها.
قلت: قوله -عليه السلام-: "ثم بيعوها ولو بضفير" يدل على أنها لا تُنفى؛ لأنها لو وجب نفيها لما جاز بيعها، إذ لا يمكن للمشتري تسلمها؛ لأن حكمها أن تُنفى.
قوله: "ولو بضفير" أي حبل مفتول من شعر، وهو فعيل بمعنى مفعول.
قال أبو عمر: هذا على وجه الاختيار والحض على مباعدة الزانية لما في ذلك من الاطلاع بها على المنكر والمكروه، وأجمع العلماء أن بيع الأمة الزانية ليس بواجب لازم على ربها، وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها إذا زنت في الرابعة، منهم داود.
قال الحافظ المنذري: في هذا الحديث مجانبة أهل المعاصى، وجواز التغابن وبيع الحقير باليسير، وقال بعضهم: ليس فيه عندي ما يستدل على المسألة به، وإنما هو على طريق المبالغة في بيعها بما أمكن ولا يحبس ليرصد بها ما يرضى من الثمن.
وقال أبو عمر: فيه دليل على التغابن في البيع، وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله القدر الكبير بالتافه اليسير، وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك، فقال قوم: إذا عرف قدر ذلك جاز كما تجوز الهبة لو وهب.
وقال آخرون: عرف قدر ذلك أو لم يعرف فهو جائز إذا كان رشيدًا حرًّا بالغًا.
ومن الحجة لمن ذهب إلى هذا القول قوله -عليه السلام-: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن شبل بن خالد المزني أخبره، أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "الوليدة إذا زنت. . . ." مثله. إلا أنه قال في الثالثة أو الرابعة: البيع.
وأخبره زيد بن خالد صاحب رسول الله -عليه السلام- مثل ذلك.