وقال الترمذي: وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفي، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -عليه السلام- منهم: أبو بكر وعمر وعلي وأبي كعب وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وغيرهم، وكذلك روي عن غير واحد من فقهاء التابعين، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: حد البكر إذا زنى مائة جلدة، ولا نفي عليه مع الجلد إلا أن يرى الإمام أن ينفيه للدعارة التي كانت منه، فينفيه إلى حيث أحب كما يُنفى الدعار غير الزناة.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: إبراهيم النخعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وزفر؛ فإنهم قالوا: البكر إذا زنى جُلد مائة جلدة ولا يُنفي، اللهم إلا إذا كان داعرًا فإن الإِمام ينفيه إلى حيث شاء إن أحب ذلك، وهو معنى قوله: "أن ينفيه للدَّعارة" بفتح الدال والعين المهملتين، والفاعل منه داعر وهو المفسد الخبيث.

وقال ابن الأثير: الدعارة الفساد والشر.

وقال الجوهري: الدَّعَر -بالتحريك-: الفساد، والدعر أيضًا مصدر، قولك: دَعِرَ العود -بالكسر- يدعر دَعَرًا فهو عودٌ دَعِر: أي رديء كثير الدخان، ومنه أخذت الدعارة وهي الفسق والخبث، يقال: هو خبيث داعْر بيِّن الدعر، والمرأة داعرة.

وإنما يجوز للإمام نفي الزاني الداعر لفشو فساده وكثرة فسقه، فينفيه قطعًا لشره وحسمًا لفساده، ومكان النفي ومدته موكولان إلى رأي الإمام.

قوله: "كما يُنفي الدُّعَّار غير الزناة" الدُّعَّار بضم الدال وتشديد العين جمع داعر، والزناة جمع زاني، أراد أنه كما يجوز للإمام نفي الداعرين الذين يُفسدون في الأرض من غير ثبوت الزنا عليهم، وذلك لما روي عن بعض السلف التغريب في الخمر والسرقة. وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه غرَّب في الخمر، وكان عمر - رضي الله عنه -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015