فاستدلوا بذلك أن للولي إذا عفى أن يأخذ الدية من القاتل وإن لم يكن اشترط ذلك عليه في عفوه عنه.
ش: أي فنظرنا في الحكم المذكور، هل نجد من دليل يدل على ترجيح أحد الوجهين المتكافئين؟ فقال أهل المقالة الأولى: فقد قال الله -عز وجل-: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} الآية (?)، وقد أخبر الله تعالى في هذه الآية أن الولي له العفو، واتباع القاتل بإحسان، فيدل ذلك أن للولي أن يعفو، فإذا عفى، له أن يأخذ الدية من غير شرط في العفو.
ص: قيل لهم: ما في هذا دليل على ما ذكرتم، وقد يحتمل ذلك وجوهًا: أحدها: ما وصفتم.
ويحتمل أيضًا: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (?) على الجهة التي قلنا برضا القاتل أن يُعتفى عنه على مال يؤخذ منه.
وقد يحتمل أيضًا أن يكون ذلك في الدم الذي يكون بين جماعة، فيعفو أحدهم، فيتبع الباقون القاتل بحصصهم من الدية بالمعروف، ويؤدي ذلك إليهم بإحسان.
هذه تأويلات قد تأولت العلماء هذه الآية عليها، فلا حجّة فيها لبعض على بعض إلا بدليل آخر في آية أخرى متفق على تأويلها، أو سُنَّة، أو إجماع.
وفي حديث أبي شريح عن النبي -عليه السلام-: "فهو بالخيار بين أن يعفو أو يقتص أو يأخذ. . . ." الحديث، فجعل عفوه غير أخذه الدية، فثبت بذلك أنه إذا عفى فلا دية له، وإذا كان لا دية له إذا عفى عن الدم، ثبت بذلك أن الذي كان وجب له هو الدم، وأن أخذه الدية التي أبيحت له هو بمعنى أخذها بدلًا من القتل، والإبدال من الأشياء لم نجدها تجب إلا برضى مَن تجب