تأويله السقب بالبر والمعونة يعني أنه أحق بالبر والمعونة بسبب قربه من جاره، فهذا كله خلاف الأصل.
قوله: "أن ذلك الجار الذي عناه" أي قصده رسول الله -عليه السلام- هو الجار الذي يعرفه العامّة.
فإن قيل: إذا كان المراد من الجار هو الذي تعرفه العامة، فما وجه التخصيص بالجار الملازق، والجار أعم من الملازق وغيره، ولهذا رأى بعضهم الشفعة لكل جار سواء كان ملازقًا أو لم يكن، حتى إن بعضهم ذهبوا إلى أن الجار الذي تجب له الشفعة أربعون دارًا حول الدار، روي ذلك عن الحسن البصري، وقد ذكرنا الخلاف فيه مستوفى.
قلت: لأن الحكمة فيها دفع ضرر الدخيل، ولا يوجد ذلك إلا في الجار الملازق، إلا أن الشريك في نفس المبيع أو حقه إنما يقدم على الجار؛ لأن ضرر الدخيل يكون فيه أشد أو أكثر، بخلاف الجار غير الملازق فإنه وسائر الناس سواء، وعن هذا قال أبو يوسف: إذا كان خليط بين داري رجلين والحائط بينهما أن الشريك في الحائط أولى أن يجمع الدار؛ لأنه شريك في بعض المبيع، فكان أولى من الجار الذي لا شرك له كالشريك في الشرب والطريق، وعن أبي يوسف في رواية وهي قول زفر أيضًا: أن صاحب الشرك في الحائط أولى من الجار بالحائط وبقية الدار، فأخذها بالجوار مع الجار بينهما لاستوائهما في الجوار.
ص: ثم قد روي عن رسول الله -عليه السلام- من إيجابه الشفعة بالجوار، وتفسيره ذلك الجوار:
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد، قال: "قلت: يا رسول الله، أرضي ليس لأحد فيها قسم، ولا شرك إلا الجوار بيعت، قال: الجار أحق بسقبه".