وقال الخطابي: ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي تتعلق بهذا النذر وأحسن حاله أن يكون من باب المباح غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله -عليه السلام- حين قدم المدينة من بعض غزواته، وكانت فيه مساءة الكفار وإرغام المنافقين؛ صار فعله كبعض القرب التي هي من نوافل الطاعات، ولهذا أبيح ضرب الدف واستحب في النكاح؛ لما فيه من الإشاعة لذكره، والخروج به عن معنى السفاح الذي هو الاستتار عن الناس فيه، ومما يبين هذا المعنى قول النبي -عليه السلام- لحسّان حين استنشده وقال له: "كأنما تنضح به وجوه القوم النبل".

ص: وقد يجوز أن يكون قول رسول الله -عليه السلام-: "فِ بنذرك" ليس من طريق أن ذلك كان واجبًا عليه، ولكن على أنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله فهو معصية لله -عز وجل-، فأمره النبي -عليه السلام- أن يفعله الآن على أنه طاعةٌ لله -عز وجل-، فكان ما أُمِرَ به خلاف ما كان أوجبه على نفسه.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى، حاصله: أن أمره -عليه السلام- لعمر بن الخطاب بقوله: "فِ بنذرك" ليس للوجوب، وإنما هو للإباحة، وذلك لأنه لما نذر أن يفعله وهو في كفره كان ذلك على وجه المعصية لله تعالى، فأمره النبي -عليه السلام- بعد إسلامه على وجه الطاعة لله -عز وجل-، فكان الذي أُمر به في هذه الحالة خلاف ما كان أوجبه على نفسه في تلك الحالة. فافهم. والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015