ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يُتوِّجوه فَيُعَصِّبوه بالعصابة، فلما رد الله -عز وجل- ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ بذلك فذلك فعل به ما رأيت، فعفى عنه النبي -عليه السلام-، وكان النبي -عليه السلام- وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى؛ قال الله -عز وجل-: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (?)، وقال الله -عز وجل-: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ. . . .} الآية (?)، وكان النبي -عليه السلام- يتأول العفو كما أمره الله -عز وجل- به، حتى أذن الله فيهم، فلما غزا النبي -عليه السلام- بدرًا فقتل الله -عز وجل- به مَن قتل مِن صناديد كفار قريش، قال أبي بن أبي سلول ومَن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه فبايعوا رسول الله -عليه السلام- وأسلموا".
ففي هذا الحديث أن ما كان من تسليم النبي -عليه السلام- كان في الوقت الذي أمره الله بالعفو عنهم والصفح، وترك مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن، ثم نسخ الله -عز وجل- ذلك، وأمره بقتالهم، فنُسخ مع ذلك السلام عليهم، وثبت قوله: "لا تبتدئوا اليهود ولا النصارى بالسلام، ومَن سلم عليكم، منهم فقالوا: وعليكم، حتى تردوا عليه ما قال" ونُهوا أن يزيدوهم على ذلك.
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا ابن عون، عن حميد بن زاذويه، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "نُهينا أن نزيد أهل الكتاب على: وعليكم".
فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي نظرنا فيما ذكرنا من قولنا: ويحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- سلم عليهم. . . . إلى آخره، وأراد بذلك أنه لما نظر في ذلك المعنى وجد حديث أسامة بن زيد قد