ش: هذا جواب عن حديث عبد الله بن عمر الذي احتج به أهل المقالة الأولى، وحاصلة من وجهين:
أحدهما: أن عائشة - رضي الله عنها -، أنكرت ذلك، استدلالًا بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (?) ونسبت ذلك إلى الوهم عن ابن عمر.
الثاني: أن ذلك محمول علي ما إذا كان الميت قد كان أوصى به في حياته، وقد بسطنا الكلام في هذا الباب مستقصى، فليراجع إليه.
ص: وقد روي هذا الحديث عن عائشة بغير هذا اللفظ:
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي -عليه السلام- أنها قالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي؟! والله ما ذاك إلا إيهام من عبد الله بن عمر يغفر الله له، إن الله -عز وجل- يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وما ذاك إلا أن رسول الله -عليه السلام- مرَّ علي قبر يهودي، فقال رسول الله -عليه السلام-: أنتم تبكون عليه وإنه ليعذب في قبره يقول: بعمله".
فأخبرت عائشة - رضي الله عنها - في هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- إنما أخبر أن ذلك الكافر يعذب في قبره بعمله وأهله يبكون عليه، وقد منع الله -عز وجل- أن تزر وازرة وزر أخرى، فدل ذلك علي أن مَيْتًا لا يعذب في قبره ببكاء حيٍّ لم يَأمر به في حياته، وبان بحديث جابر عن عبد الرحمن بن عوف البكاء المكروه ما هو، وأنه هو الذي معه اللطم والشق، فقد ثبت بما ذكرنا إباحة البكاء على الميت إذا لم يكن معه سبب مكروه من شق ثوب ولطم وجه ونياحة وما أشبه ذلك، وقد حدثنا فهد قال: ثنا يحيي بن عبد الحميد الحماني، قال: ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد قال: "دخلت علي قرظة ابن كعب وعلي أبي مسعود الأنصاري وثابت بن زيد - رضي الله عنهم - وعندهم جواري يغنين، فقلت: أتفعلون هذا وأنتم