ص: فهذا رسول الله -عليه السلام- قد أمر بإحفاء الشوارب، فثبت بذلك الإحفاء على ما ذكرنا في حديث ابن عمر، وفي حديث ابن عباس وأبي هريرة "جزوا الشوارب".

فذاك يحتمل أن يكون جزًّا معه الإحفاء، ويحتمل أن يكون على ما دون ذلك، فقد ثبت معارضة حديث ابن عمر - رضي الله عنه - بحديث أبي هريرة وعمار وعائشة الذي ذكرنا في أول هذا الباب.

وأما حديث المغيرة فليس فيه دليل على شيء، ولا يجوز أن يكون النبي -عليه السلام- فعل ذلك ولم يكن بحضرته مقراض يقدر على إحفاء [الشارب] (?) به، ويحتمل أيضًا حديث عمار وعائشة وأبي هريرة في ذلك معنى آخر: يحتمل أن يكون الفطرة هي التي لابد منها وهي قص الشارب، وما سوى ذلك فضل حسن، فتثبت الآثار كلها التي رويناها في هذا الباب ولا تتضاد، ويثبت بثبوتها أن الإحفاء أفضل من القص، وهذا معنى هذا الباب من طريق الآثار.

ش: أراد أن النبي -عليه السلام- أمر بإحفاء الشوارب في حديث عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبي هريرة - رضي الله عنهم -.

فدل بمقتضى الأمر أن الإحفاء أفضل من القص، وأراد بحديث ابن عمر هو الذي أخرجه من ثلاث طرق صحاح:

قوله: "وفي حديث ابن عباس وأبي هريرة. . . ." إلى آخره. جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى بحديثهما فإنهم احتجوا فيما ذهبوا إليه بقوله -عليه السلام-: "جزوا الشوارب" والجزُّ هو القص، وتقرير الجواب: أن يقال: الجز المذكور يحتمل أن يكون جزًّا معه الإحفاء، ويحتمل أن يكون معناه جزًّا, وليس معه الإحفاء فحينئذ تثبت المعارضة بين حديث ابن عمر وأحاديث أبي هريرة وعمار وعائشة المذكورة في أول الباب، ودفعها بأن يكون المراد هو المعنى الأول، والمرجح هو لقرينة حديث ابن عمر؛ فبهذا يحصل التوفيق ويرتفع الآثار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015