قال القاضي: عفوت الشعر وأعفيته لغتان، وكره قصها وحلقها وتجريفها، وقد جاء الحديث بذم فاعل ذلك، وسنة بعض الأعاجم حلقها وجزها، وتوفير الشوارب، وهي كانت سيرة الفرس.
وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتخليتها، كما يكره في قصها وجزها.
وقد اختلف السلف: هل لذلك حد؟
فمنهم من لم يحدد إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدًّا، ومنهم من حدد بما زاد على القبضة، فيزال ما فضل عنها، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة. انتهى.
وقال أبو حامد: اختلف فيما طال من اللحية؛ فقيل إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما تحت القبضة فلا بأس؛ قد فعله ابن عمر وجماعة من السلف التابعين، واستحبه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة وقالا: تركها أحب؛ لقوله -عليه السلام-: "أعفوا اللحى" والأمر في هذا قريب إذا لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب، فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنسبة إليه، فلا بأس بالاحتراز عنه على هذه النية.
وقال النخعي: عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته، فيجعلها بين لحيتين؟! فإن التوسط في كل شيء حسن.
فإن قيل: هل ورد في هذا أثر؟
قلت: روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (?): عن عبد الرحمن بن مهدي، عن زمعة، عن ابن طاوس، عن سماك بن يزيد قال: "كان علي - رضي الله عنه - يأخذ من لحيته مما يلي وجهه".