قلت: لأنه قد عارضه حديث طلق بن علي، فلم يكن ليعمل به لتأخر حديث طلق عنه فيثبت بذلك انتساخ أحاديث انتقاض الوضوء من مس الفرج.
فإن قيل: حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في هذا الباب ناسخ لحديث طلق بن علي؛ لأن طلقا قدم على النبي - عليه السلام - في ابتداء الهجرة والمسجد على عرش، وأبو هريرة أسلم سنة ست من الهجرة فكان حديثه متأخرا، والأخذ بآخر الأمرين واجب لأنه ناسخ، والطبراني أيضًا مال إلى أن حديث طلق منسوخ.
قلت: روى أبو داود (?): عن قيس بن طلق، عن أبيه قال: "قدمنا على نبي الله - عليه السلام - فجاءه رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال: هل [هو] (?) إلاَّ مضغة منه أو بضعة منه".
ففي قوله: "ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ" دلالة على أنه كان بلغه أن النبي - عليه السلام - شَرَّعَ فيه الوضوء، فأراد أن يستيقن ذلك، وإلَّا فالمستقر عندهم أن الأحداث إنما كانت من الخارج النجس، وإلَّا فالعقل لا يهدي إلى أن مس الذكر يناسب نقض الوضوء، فعلى هذا يكون حديث طلق هو آخر الأمرين، ويكون أبو هريرة قد سمعه من بعض الصحابة ثم أرسله.
وجواب آخر أن دعوى النسخ إنما تصح بعد ثبوت صحة الحديث، ونحن لا نُسَلِّم صحة حديث أبي هريرة؛ فافهم.
ص: فقد ثبت فساد هذه الآثار كلها التي يحتج بها من يذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الفرج.
ش: أي إذا علم ما ذكرنا، فقد ثبت فساد هذا الأحاديث التي سلفت في هذا الباب التي يحتج بها من يذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الفرج، وذلك لكون بعضها منكرا، وبعضها مضطربا، وبعضها ضعيفا معلولا، وبعضها منقطعا،