الثاني: فيه دعاء المشركين قبل القتال إلى إحدى الثلاث المذكورة.
وقالت العلماء -منهم: الحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق-: إذا بلغتهم الدعوة جاز أن يقاتلوا قبل أن يدعوا، فأما من لم تبلغهم الدعوة ممن بعدت داره فإنه لا يقاتل حتى يدعى.
الثالث: احتج بظاهر قوله: "فَسَلْهم إعطاء الجزية" الأوزاعي على وجوب قبول الجزية من كل مشرك كتابي أو غير كتابي من عبدة الأوثان والشمس والنيران إذا أذعنوا إليها.
قال الخطابي: ومذهب مالك قريب منه، وحكي عنه أنه قال: تقبل من كل مشرك إلا المرتد، وروي عنه: لا تقبل إلا من أهل الكتاب وسواء كانوا عربًا وعجمًا، وتقبل من المجوس ولا تقبل من مشرك غيرهم. وقال الشافعي: تقبل من كل مشرك من العجم ولا تقبل من مشركي العرب.
وقال البخاري: لم يثبت عن النبي -عليه السلام- أنه حارب عجمًا قط ولا بعث إليهم جيشا وإنما كانت عامة حروبه مع العرب، وكذلك بعوثه وسراياه، فلا يجوز أن يصرف هذا الخطاب إلى غيرهم.
قلت: مذهب أبي حنيفة -رضي الله عنه- لا تختص بأهل الكتاب، بل توضع على أهل الكتاب وعلى المجوسي والوثني من العجم، وهو رواية عن أحمد.
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-: "أن النبي -عليه السلام- لما وجَّه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى خيبر وأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذ على رسْلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم] (?) من حق الله -عز وجل-، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن تكون لك حمر النعم".