ش: هذا بيان حجة أخرى في عدم جواز البيع قبل القبض، سواء كان طعامًا أو غيره، بيان ذلك: أن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- روى عن النبي -عليه السلام- أنه قال له: "إذا ابتعت شيئًا، فلا تبعه حتى تقبضه".
فقوله: "شيئًا" أعم من الطعام وغيره، والنبي -عليه السلام- لم ينص فيه على الطعام ولا على غيره، بل عمم الحكم، فاقتضى أن لا يجوز البيع قبل القبض مطلقًا، إلا أن أبا حنيفة استثنى من ذلك بيع الدور والأرضين، فقال بجواز بيعها قبل القبض، لأنها لا تنقل ولا تحول بخلاف غيرها.
والنظر في ذلك له: أن الامتناع فيما ينقل ويحوَّل لعارض الغرر، وهو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه، ولا يتوهم هلاك العقار، فلا يتحقق الغرر، فبقي حكمه على حكم الأصل.
وذكر في "البدائع" قول أبي يوسف مع أبي حنيفه في جواز بيع الدور والأرضين قبل القبض، وذكر قول زفر والشافعي مع محمد في عدم الجواز مطلقًا؛ لعموم النهي، وهو اختيار الطحاوي أيضًا أشار إليه بقوله: "فبهذا نأخذ".
ثم إنه أخرج حديث حكيم بن حزام المذكور من طريقين:
الأول: عن أبي حازم عبد الحميد بن عبد العزيز البصري أحد الأئمة الحنفية الكبار، قال ابن الجوزي: كان عالمًا ورعًا، ثقة، قدوة في العلوم، غزير الفضل والدين، ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ من مدينة السلام وله مصنفات كثيرة، ذكره صاحب "الهداية" في كتاب الرهن، وهو يروي عن محمد بن بشار البصري الملقب بندار، والبندار: الحافظ كان بندارًا في الحديث، وهو شيخ الجماعة، رووا عنه.
وهو يروي عن حبان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- بن هلال الباهلي ثقة، روى له الجماعة.
وهو يروي عن أبان بن يزيد العطار البصري، عن أحمد: ثبت في كل المشايخ، روي له الجماعة غير ابن ماجه.