وقال الزمخشري: الخيط الأبيض: أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، والخيط الأسود: ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود.
وقوله: "من الفجر" بيان للخيط الأبيض، واكتفى به في بيان الخيط الأسود؛ لأن بيان أحدهما بيانٌ للآخر. ثم إن قوله: "من الفجر" أخرج ذلك من باب الاستعارة فصار تشبيهًا بليغًا، كما أن قولك رأيت أسدًا مجازٌ، فإذا زدت: من فلان، صار تشبيها. وإنما لم يقتصر به على الاستعارة مع كونها أبلغ من التشبيه وأدخل في الفصاحة؛ لأن من شرط المستعار أن يدل عليه الحال أو الكلام، ولو لم يذكر {مِنَ الْفَجْرِ} أن الخيطين مستعاران، فزيد من الفجر فكن تشبيها بليغًا، وخرج من أن يكون استعارة.
ص: وقد روي عن رسول الله - عليه السلام - أيضًا في ذلك ما حدثنا أبو أمية، قال: ثنا أبو نعيم والخضر بن محمَّد بن شجاع، قالا: ثنا ملازم بن عمرو، قال: ثنا عبد الله بن بدر السحيمي، قال: حدثني جدي قيس بن طلق، قال: حدثني أبي، أن نبي الله - عليه السلام - قال: "كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المُصْعِد، كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر- وأشار بيده وأعرضهما".
فلا يجب ترك آيةٍ من كتاب الله تعالى نصًّا، وأحاديث عن رسول الله - عليه السلام - متواترةً قد قبلتها الأئمة وعمل بها الأمة من لدن رسول الله - عليه السلام - إلى اليوم، إلى حديث قد يجوز أن يكون منسوخًا بما ذكرنا في هذا الباب.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي: قد روي أيضًا عن النبي - عليه السلام - في جواز التسحر إلى طلوع الفجر الصادق، وأنه لا يجوز بعده.
أخرجه عن أبي أمية محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، والخضر بن محمَّد بن شجاع الجزري أبي مروان