الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد القرشي المقرئ القصير شيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن محمَّد بن مسلم الزهري ... إلى آخره.
وأخرجه النسائي (?): أنا قتيبة، قال: ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنهما قالت: "كان رسول الله - عليه السلام - يغتسل في القدح هو الفَرَق، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد".
قوله: "من إناء واحد، من قدح" كلمة "مِن" في قوله: "من إناء" لبيان الجنس، والتي في قوله: "من قدح" لبيان النوع، وليس المراد أنه كان يغتسل بملء الفرق، بدليل الحديث الآخر: "كان يغتسل بالصاع".
واعلم أن العلماء أجمعوا على أن الماء الذي يجزئ في الغسل والوضوء غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغَسل وهو جريان الماء على الأعضاء؛ لأن الغَسل هو الإسالة، فإذا لم يسل يصير مسحًا، وذا لا يجوز، وقال الشافعي (?):
وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي. وقالوا: المستحب أن لا ينقص في الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مُدّ.
وأجمعوا أيضًا على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطيء البحر.
ثم الأظهر أنه كراهة تنزيه لا تحريم، خلافًا لبعض الشافعية.
ص: وكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى: أن حديث عروة عن عائشة إنما فيه ذكر الفَرَق الذي كان يغتسل منه رسول الله - عليه السلام - وهي، ولم يُذكر مقدار الماء الذي كان يكون فيه، هل هو ملؤه أو أقل من ذلك؟ فقد يجوز أن يكون كان يغتسل هو وهي بملئه، ويجوز أن يكون كان يغتسل هو هي بأقل من ملئه، فما هو صاعان فيكون كل واحد منهما مغتسلًا بصاع من ماء، ويكون معنى هذا الحديث موافقًا لمعاني الأحاديث