فلما كان ما تصدق به على بريرة جائزًا للنبي - عليه السلام - أكله؛ لأنه إنما ملكه بالهدية، جاز أيضًا للهاشمي أن يجتعل من الصدقة؛ لأنه إنما يملكه بعلمه لا بالصدقة، فهذا هو النظر، وهو أصح مما ذهب إليه أبو يوسف في ذلك.
ش: أخرج هذه الأحاديث إعضادًا لما ذهب إليه الآخرون، بيان ذلك: أن الفقير إذا تُصدق عليه بصدقة فإنه يملكها، ثم إنه إذا أهداها إلى غني جاز له أكلها؛ لأنه يملكها بالهدية، فبتغير الصفة كأن الذات قد تغيرت، والدليل عليه: قضية بريرة، فإنه لماتصدق بذلك اللحم عليها جوَّز النبي - عليه السلام - أكله؛ لأنه ملكه بالهدية، فكذلك الهاشمي إذا اجتعل شيئًا من الصدقة تَمَلَّكَه بعمله لا من حيث الصدقة فيحل له حينئذٍ أكله.
ثم إنه أخرج الأحاديث المذكورة عن عائشة وابن عباس وجويرية بنت الحارث وأم عطية وأم سلمة - رضي الله عنهم -.
أما حديث عائشة فأخرجه من ثلاثة طرق صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد النخعي، عن عائشة.
وأخرجه البخاري (?): ثنا آدم، ثنا شعبة، ثنا الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: "أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق، وأراد مواليها أن يشترطوا ولاءها، فذكرت عائشة للنبي - عليه السلام - فقال لها النبي - عليه السلام -: اشتريها فإنما الولاء لمن أعتق، قالت: وأتي النبي - عليه السلام - بلحم فقلت: هذا ما تصدق به على بريرة، قال: هو لها صدقة ولنا هدية".
وأخرجه مسلم (?): ثنا عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبة.