قلت: أما قوله: "إن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداءً من غير سبب"، فغير مسلم؛ لأنه تخصيص من غير مخصص، وهو باطل، فعامة ما في الباب أنهم احتجوا على ذلك بأنه - عليه السلام - قضى سنة الظهر بعد العصر، وقاس عليها كل صلاة لها سبب حتى قال النووي: هو عمدة أصحابنا في المسألة، وليس لهم أصح دلالة منه. ولكن يَخْدشُه ما ذكره الماوردي منهم وغيره أن ذلك مخصوص بالنبي - عليه السلام -.
وقال الخطابي نفسه أيضًا: كان النبي - عليه السلام - مخصوصًا بهذا دون الخلق.
وقال ابن عقيل: لا وجه له إلا هذا الوجه.
وقال الطبري: فعل ذلك تنبيها لأمته أن نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم.
وأما قوله: "فإنه منسوخ" فغير صحيح؛ لأن عمر - رضي الله عنه - ما برح مع النبي - عليه السلام - إلى أن توفي، ولو كان منسوخا لعمل بناسخه مع أنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير، فدل هذا على أن النهي ليس بمنسوخ، وأن الركعتين بعد العصر مخصوصة به دون أمته، بل الظاهر أن حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "أن النبي - عليه السلام - نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب" هو الناسخ لكل ما ورد على خلافه.
وأما قوله: "دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس"، فترده الأحاديث الصحيحة منها: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" (?)، وغير ذلك من الأحاديث التي وردت في هذا الباب، على أن حديث جابر بن يزيد المذكور حكى البيهقي (?) عن الشافعي فيه أنه قال: إسناده مجهول. ثم قال البييقي: وإنما قال ذلك لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه جابر ولا لجابرٍ راوٍ غير يعلى بن عطاء.