قال أبو عمر: هذا يدل على أن أول الوقت أفضل. وقال أيضًا: كان مالك فيما حكى عنه ابن القاسم لا يعجبه قول يحيى بن سعيد هذا، وأظن ذلك -والله أعلم- من أجل قوله - عليه السلام -: "ما بين هذين وقت" فجعل أول الوقت وآخره وقتًا، ولم يقل: أوله أفضل، وكان مالك لا يرول بين أول الوقت ووسطه وآخره من الفضل ما يشبه مصيبة من فاته ذلك بمصيبة من ذهب أهله وماله؛ لأن ذلك إنما ورد في ذهاب الوقت كله، هذا معنى قول مالك، والله أعلم؛ لأن في هذا الحديث أن فوات بعض الوقت كفوات الوقت كله، وهذا لا يقوله أحد من العلماء لا من فضَّل أول الوقت على آخره ولا مَنْ سوَّى بينهما؛ لأن فوات بعض الوقت مباح وفوات كل الوقت لا يجوز ففاعله عاصٍ لله تعالى إذا تعمد ذلك، وليس كذلك من صلى في وسط الوقت وآخره، وإن كان من صلى في أول الوقت أفضل، وتدبر هذا تجده كذلك إن شاء الله تعالى.
قوله: "وقد دلّ على ما ذكرنا" أي على ما ذكرنا من قولنا: فثبت بذلك أن الصلاة خاص من الوقت أفضل من الصلاة في بقية ذلك الوقت، بيان ذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو قوله - عليه السلام -: "وإن أخّر وقتها حين تصفر الشمس" فإنه يدل على أن الصلاة قبل اصفرار الشمس أفضل من الصلاة في حالة الاصفرار؛ وإن كان كل ذلك وقت العصر، ويدل على أن الذي يصلي في حالة الاصفرار مقصِّرٌ لما فاته من فضيلة الوقت المستحب حين تصفر الشمس.
ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة هذا عن قريب بهذا الإسناد بعينه، ولكنه قطَّعه لأجل تطبيق الاستدلال على المدعى، وقد ذكرنا أن الترمذي أخرجه بأتم منه فليراجع هناك.
ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخَصِيب بن ناصح، قال: ثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أي أيوب، عن عبد الله بن عمرو، أن النبي - عليه السلام - قال: "وقت العصر ما لم تصفر الشمس".