التمدن والتحضر هو نمط الحياة التي يعيشها العالم الغربي، فهي الدول المتقدمة أما نحن ودول العالم الثالث فمتخلفون ومرادهم من وراء هذه الدعوة سوق، الناس جميعًا إلى الولاء والعبودية لسيادة الفكر الغرو، وإحلال القيم والمفاهيم الغربية محل القيم الفكرية الثقافية التي يدين بها الشرق والعالم الإسلامي، وهي قيم ومفاهيم تختلف في جوهرها وأصولها وفلسفتها عن مثيلاتها في العالم الغربي.
وهذا الذي نقرره هنا من التضاد بين الثقافتين يدركه قادة الفكر والسياسة الغربيون، ولكنهم يخادعون ويمكرون، يقول (أيوجين روستو) رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، ومساعد وزير الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس السابق (جونسون) لشؤون الشرق الأوسط إلى سنة 1967. "إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي ... فلسفته، عقيدته، ونظامه ... وذلك يجعلها تقف معادية للشرق الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي، والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك، فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها" (?)، وصدق الله إذ يقول: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118].
وإذا أنت دققت في كلام (أيوجن) هذا علمت أمرين: الأول: الخلفية التي تحرك الشعوب النصرانية بالعداء لهذه الأمة، والثاني: السبب الذي من أجله أقامت الأمم الغربية دولة اليهود في مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أدرك هذه الحقيقة المسلم المهتدي روجيه جارودي عندما قال: "تعتبر الكنائس النصرانية ومن ورائها كل العالم الغربي أنها الوريثة للشعب المختار ومتضامنة معه حيث إنها مكلفة