قال مثل ما قال عمر، وكذلك ابن عباس، كان يفتي بما في الكتاب، ثمَّ بما في السنة، ثمَّ بسنة أبي بكر وعمر ... وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود، وابن عباس، وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء، وهذا هو الصواب (?). "فلما انتهت النوبة إلى المتأخرين ساروا عكس هذا السير، وقالوا: إذا نزلت النازلة بالمفتي أو الحاكم، فعليه أن ينظر أولًا: هل فيها اختلاف أم لا؟ فإن لم يكن فيها اختلاف لم ينظر في كتاب، ولا في سنّة، بل يفتي ويقضي فيها بالإجماع، وإن كان فيها اختلاف اجتهد في أقرب الأقوال إلى الدليل، فأفتى به وحكم به، وهذا خلاف ما دلَّ عليه حديث معاذ، وكتاب عمر، وأقوال الصحابة.
والذي دلَّ عليه الكتاب والسنة أسهل عليه بكثير من علمه باتفاق الناس في شرق الأرض وغربها على الحكم، وهذا إن لم يكن متعذرا فهو أصعب شيء وأشقَّه إلّا فيما هو من لوازم الإسلام، فكيف يحيلنا الله ورسوله على ما لا وصول لنا إليه، ويترك الحوالة على كتابه وسنة رسوله اللذين هدانا بهما، ويسرهما لنا، وجعل لنا إلى معرفتهما طريقًا سهلة التناول من قرب.
ثم ما يدريه؟ فلعلَّ الناس اختلفوا، وهو لا يعلم، وليس عدم العلم بالنزاع علمًا بعدمه، فكيف يقدم عدم العلم على أصل العلم كلّه؟
ثمَّ كيف يسوغ ترك الحق المعلوم إلى أمر لا علم له به، وغايته أن يكون موهومًا، وأحسن أحواله أن يكون مشكوكًا قيه شكًا متساويًا أو راجحا؟ (?) "وحين نشأت هذه الطريقة تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع المجهول، وانفتح باب دعواه، وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه