وضح لنا المراد بكلمة "ثقافة" عند إطلاقها، أما إذا أضيفت إلى الأمّة، فالمراد بها تراث تلك الأمّة الحضاري والفكري في جميع جوانبه النظرية والعملية الذي تمتاز به الأمّة، وهذا التراث الذي يشكل ثقافة الأمّة متداخل مترابط يشكل إطارًا ومحيطًا يحكم الأفراد والأسر والمجتمع في كل أمّة.
وثقافة الأمّة في جوانبها المختلفة تشكل أسلوبها في الحياة, فعقيدة الأمّة وتاريخها ونظرتها إلى الحياة، والأفكار والنظريات التي تدور في عقول أبنائها ومفكريها، وتدون في كتبها ودراساتها - تشترك جميعًا في تحديد الأسلوب الذي يحكم حياة الأمّة، ويضبط مسارها، ولذلك عرف بعض الباحثين الثقافة بقوله: "هي أسلوب الحياة السائد في مجتمع من المجتمعات" (?).
والأفراد في كل مجتمع من المجتمعات يتشربون -منذ أن تتفتح عيونهم على الحياة- ثقافة الأمّة التي يعيشون فيها، وتأثر هذه الثقافة في تكوينهم الفكري والعقائدي والخلقي، ويندمج الفرد بذلك في مجتمعه، وتتكون عاداته وتقاليده شيئًا فشيئًا، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (?)، فالوليد خامة نظيفة طاهرة ليس فيها دنس الشرك والمعاصي، ولكن الوالدين يغرسان في ولدهما فكرهما وعقيدتهما وأسلوب حياتهما، وإذا خرج بعض الأفراد في مجتمع ما عن الطريقة التي ينهجها ذلك المجتمع- فإنَّ أبناء جلدته لا ينظرون إلى هذا الخارج عن طريقتم نظرة الرضا،