المكفِّر بكونه فقيرًا أو ملكًا، وهذا الوصف يسمى الغريب عند جماعة من أهل الأصول.
الثالث: أن لا يشهد الشرع لاعتبار تلك المصلحة بدليل خاص، ولا لإلغائها بدليل خاص، وهذا ما يسمى بالمصلحة المرسلة، وسميت مصلحة لاشتمالها على المصلحة، وسميت مرسلة لعدم التنصيص على اعتبارها ولا على إلغائها.
والإمام مالك يراعي المصلحة المرسلة في الحاجيات والضروريات كما قرره علماء مذهبه، ودليل مالك على مراعاتها إجماع الصحابة عليها كتولية أبي بكر لعمر، واتخاذ عمر سجنا، وكتبه أسماء الجند في ديوان، وعثمان جمع الناس على مصحف واحد ونشره وحرق ما عداه، وعليٌّ حرق الغلاة الذين ألهوه، والحنفية حجروا على المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفلس، والمالكية أباحوا حبس المتهم وتعزيره توصلًا إلى إقراره، والشافعية أوجبوا القصاص من الجماعة إذا قتلوا الواحد، فأهل المذاهب كلهم يعملون بالمصالح المرسلة وإن قرروا في أصولهم أنها غير حجّة كما أوضحه القرافي في التنقيح (?).
والذين منعوا من الاحتجاج بالمصالح المرسلة قالوا: إن هذا الباب مضلّة للأفهام ومزلة للعقول، لأن العقول قد تعدّ ما ليس مصلحة مصلحة، وقد تعدُّ المصلحة غير مصلحة، فاليهود حرموا بسبب هذا طيبات أحلت لهم حتى قيل إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعًا، والواجب عليهم مئتان وثمانية وأربعون أمرًا.