نزل القرآن من عند الله مفرقًا في مدى ثلاثة وعشرين عامًا، وقد جعل هذا التنزيل المستمر للرسول - صلى الله عليه وسلم - على صلة دائمة بربه، وهذا مما أعانه على ثبات قلبه، وخفف عنه ما كان يلاقيه من عنت، وقد كان القرآن يبين معالم الإيمان شيئًا فشيئًا، ويصوغ الفرد المسلم، والأسوة المسلمة، والجماعة المسلمة, بتعاليمه المتتابعة التي تعالج النفوس، وتحدد الأهداف، وتبين الوسائل، وتكشف الشبهات، ولقد كانت تعاليمه هي الموجه والمعلم والمرشد للرعيل الأول، وفي ظلها تربى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهم الجيل الذي تربى على القرآن.
وما ورد فيه من كلمات مأخوذة من غير العربية كالاستبرق والصراط والياقوت وأسماء الأعلام كإبراهيم وعيسى فهي من الكلمات التي أدخلتها العرب في لغتها، وصاغتها على أوزانها وجرت بها كلماتها، فعادت عربية.
وما دام القرآن عربيًّا فلا مناص من أراد أن يكشف عن أسراره أن ينال قسطا وافرا من لغة العرب.
القرآن نقل إلينا نقلًا متواترًا، لم ينتقص منه حرف، ولم يزد فيه كلمة، وقد بلغنا بطريق المشافهة وبطريق الكتابة، وقد كتبه الخليفة الراشد أبو بكر الصديق، ثم عثمان بن عفالط، وقد وزع نسخًا من المصاحف التي كتبت في أمصار الدولة الإسلامية.